قصة قصيرة/ ألبسة للعيد ..وأخرى للمطر..
ملأ المدينة الصغيرة ضجيجها الذي ازداد بصورة غير عادية منذ اقتراب العيد. لا حديث بين الناس إلا عن الألبسة وأثمانها الغالية كحرارة الجو العالية، الكل يبحث عن نفس كامل نقي.
أما هو فخرج قبل طلوع الشمس، يبحث عن عمل شاق أو من يقرضه قرضا حسنا ليشتري لأبنائه الثلاثة ملابس تليق بالعيد. قالت له أمه: لا فرح في العيد دون ابتسامة نزرعها في وجوه الأطفال.
من أين يأتي بالمال؟ وقد تجاوز النهار منتصفه، وأخذ منه التعب كل قواه وهو يخشى أنّ يوم غده لا تطلع فيه شمس البهجة والسرور.
استراح تحت ظل شجرة توت كبيرة منهكة أغصانها كجسمه المتهالك، يدعو الله فرجا من عنده، فهو الرحمان الرحيم.
في المساء مرّ بطابور ينظمه أحد الأثرياء في الشارع الكبير لفقراء المدينة، اصطف مع المصطفين لعله يفوز بمال يعادل ثمن الألبسة أو يزيد قليلا، انتظر طويلا، تألمت نفسه من تزاحم من بين يديه ومن خلفه، الكل يريد أن يكون غده رائعاً، فبكى خفية لحاله، مسح دمعه بكمه المغبر و انصرف مطأطئ الرأس والحزن يحفر في كل جزء من قلبه.
-إلى أين أذهب الآن والشمس ترمي بنفسها للجانب الغربي؟ !
عاد إلى بيته القصديري بعد أن صلى المغرب في مسجد صغير، مبحوح الصوت. طرق الباب طرقا خفيفا رغم أنّ جميع أفراد أسرته كانوا في انتظاره، مشيته المتثاقلة وصمته المطبق كانا كفيلين بإجابة عن سؤالهم وهو يفرض نفسه. لم يكن لوجبة العشاء المكررة طعما، كانت رزقا للقطط التي انتظرتها طويلا وبعد مواء حزين !
نام الجميع إلا هو، يجتر حزنه في غرفة مظلمة بعدما انقطعت الكهرباء عن المدينة كلها وقد برقت السماء من مكان بعيد وأرسلت الرياح بردها كأنها في ليلة شتاء رغم أن الصيف لم يكمل نصفه الأول.
ترك فراشه ليتفقد أولاده فوجدهم غارقين في النوم، الابتسامة على وجوههم، رغم فقدانهم لأمهم التي تركتهم بين حضنه وحضن جدتهم التي بلغت التسعين من العمر، ربما هم يحلمون بالجديد؛”ريم” تريد حذاء ورديا وفستانا أحمر، أما “محمد” و”مصطفى” فيريدان سروالين أسودين و حذاءين منا سبين لقميصيهما الأبيضين اللذين أهديا لهما من جمعية للأيتام.
عاد إلى فراشه لعل النوم يخطف عينيه من وقع الذبول وجسمه النحيف من وحل التعب ليحلم حلما شموليا لا “أنا” فيه، يقبض فيه قبضة معتبرة من المال ليشتري كل ما أحب أولاده من ألبسة ذات أشكال وألوان مختلفة . نهض على قطرات المطر المتصببة من سطح بيته المتشقق .
– ماذا هذا الماء؟، مطر؟ !
خرج إلى الشارع فإذا بالمطر كأنه خيوط من السماء والجور بارد، الناس يفتحون أبواب منازلهم، يخرجون المياه والوحل لأن عتباتها منخفضة. امتلأت الشوارع التي تشبه الأودية الصغيرة، عادت الكهرباء بعد انقطاع طويل، الصراخ من كل جانب لهول ما حدث للمدينة، لم يكن أحد ينتظر هذا المشهد حتى الأرصاد الجوية التي قالت بأن الجو سيكون رائعا أيام العيد، مما جعل كثيرا من الشباب يلعنون مقدمة النشرة الجوية لأخطائها !.
أما هو كان يخفي في نفسه بهجة وسرورا. أيقظ أولاده ليروا المشهد الذي لا تليق به الألبسة الجديدة، أخرج ملابسهم القديمة التي كانت تملأ بطون الوسائد وتسندها وأحذية من (النايلون)، ابتسمت جدتهم بعدما قرأت وجهه وهي تتمتم:
– ماذا عن الصغار الذين اشتروا الجديد وهم ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر؟ !.
وتمنت لهم عيدا سعيدا.
في الصباح جلس هو و أولاده أمام الباب، مستمتعين بمناظر عمال البلدية والمتطوعين وهم يزيلون الأوحال من الشوارع الغارقة.
قصة مشوقة و ممتعة، أحسنت النشر.
الحسن..كل الحسن …في تعليقك…