نورا تومي : مسالة الجنوسة في الأدب
الشاعرة : نورا تومي
لست أدري من أين تسلل مصطلح الأدب النّسوي لتفتيت الأدب بين الذّكورة والأنوثة ، وحمله على هذا الفاصل الذي يستغربه المنطق، ويجافيه الذّوق ، وتعافه فطرة التّفكير السّليمة ، فالأدب حياة عقلية روحية وشعورية تتنزّه عن تفرّق دمها بين ذكر و أنثى ، وترتفع عن جغرافية هذه الجنوسة التي أدخلت الأدب في متاهة لا تخدمه ، ولا تخدم المرأة معه في علاقتها بإنتاج ما يمكن إنتاجه في هذه المساحة الإنسانية .
من هذا المنطلق أشير إلى ضرورة فهم الأدب في سياقه الإنساني العام ، بعيدا عن التّحديدات التي تطيح به في مأزق المفاضلة ، وتفسد الحكم عليه ، وتضطره إلى لباس غير لباسه ، وتحمله على شعور غير شعوره ، فتفقده بذلك حقيقة عفويته ، وجودة أصله ، وطبيعة تكوينه .
إنّ الذين اجتهدوا في تخريج هذا المصطلح لم يريدوا بالمرأة خيرا ، ولم يرفعوها إلى سنام التّبجيل ، بل حاصروها أين يجب أن تتحرر ، وعزلوها وقت يجب أن تكون ، لأن الآداب والفنون ملكات إنسانية تقوم على تفاوت القدرة بين فرد وفرد لا بين جنس وجنس ، فالخنساء وليلى الأخيلية وفدوى طوقان ونازك الملائكة وغيرهن تجاوزن حاجز الجنس إلى أفق الشّعرية التي تدلّ عليهن أكثر مما يدلّ عليهن جنسهن ، وبالمقابل نجد من الشّعراء من لم يحفظ التّاريخ من أسمائهم إلاّ ما يدلل به في الدراسة على وجودهم التّاريخي المحدود ، لكن شعريتهم لم ترتفع إلى مستوى الاعتداد بها ، ولا يمكن لنا الاعتراف بهم من باب ذكورتهم كشعراء.
من هذا الوجه الذي أثبت به التّفوق في إنتاج الأدب والشّعرية والذي يعود إلى قدرة الفرد لا إلى قدرة الجنس ، وجب حسم هذه المسألة لصالح الوجود الجميل لكلّ الآداب والفنون ، بعيدا عن حسابات الجندرة التي تضرّ بالمنتج الإنساني ، وتضع الرّجل والمرأة في مواجهة تدميرية ، وعلينا فهم حقيقة التّفكير والمشاعر والأحاسيس وقدرة الموهبة والصّبر والإرادة وغيرها من مقوّمات إنتاج و إبداع الأفراد بعيداً عن التّقسيم الجنسيّ الذي لا يكاد يؤثر في العمليّة برمّتها .
ومن هنا ، من هذا التّصور أميل إلى اعتبار مصطلح الأدب النّسويّ مجرّد تجنّ على المرأة بصفة خاصة وعلى الأدب بصفة عامة ، وهو ما يولّد بالضّرورة وضع تسمية مقابلة لهذا التّوصيف وهو الأدب الذّكوري ، ومثل هذه التّقسيمات تقتل الأدب أكثر مما تحييه ، وتذهب ريحه ، إلى حيث تنهي أمره.
الأدب هو حالة إنسانية عامة تعتمد ملكة حبا بها الله قلّة من قلّته دون تفريق في مساحة الحسّ الإنسانيّ الكامل .
المصدر:https://goo.gl/CYP26n