في مزالق الترجمة الآلية
رشيد فيلالي
خلال وقوع زلزال هايتي عام 2010 والذي هلك على إثره 230 ألف شخص، دفنوا في مقابر جماعية، سارع الكثير من المسعفين القادمين من بلدان مختلفة إلى تقديم خدماتهم، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفي هذا الصّدد يقول البروفيسور الأمريكي المختصّ في الترجمة ديفيد بيلوس، أن لغة سكان هايتي غير المنتشرة خارج حدود البلد، عرقلت المسعفين في أداء مهمتهم على أكمل وجه، حيث وجدوا صعوبات جمّة في إسعاف الضّحايا من الجرحى والعالقين تحت البنايات المتهدّمة.
وعند ذلك تدخل مسؤولو “غوغل”، عبر بوابتهم الخاصة بالترجمة الآلية، ولم تنقض سوى أيام قليلة حتى تمّ جمع المعطيات الكافية، ذات الصّلة بلغة الكريول الهايتية، وإضافتها بسرعة للغات المستعملة في بوابة “غوغل ترجمة”، حيث كان لهذه البوابة، كما يعلّق البروفيسور بيلوس، فائدة عظمى في التّواصل السّريع مع الضّحايا المتواجدين تحت البنايات المهدّمة وإنقاذ الكثيرين من موت محقّق.
حدث ذلك رغم كون الترجمة الآلية إلى لغة الكريول الهايتية لم تكن في المستوى المطلوب من الدّقة، لكن هذا لم يمنع من التواصّل الجيّد والعاجل بين الطرفين المعنيين: المسعفين والضّحايا.
طبعًا هذا جانب واحد من الجوانب الإيجابية العديدة التي تميّز بوابة “غوغل ترجمة”، التي انطلق العمل بها عام 2006 وهي حاليا تضم 103 من لغات العالم، كما تحتوي بوابة “غوغل ترجمة” على متن اللغات الرسمية المعروفة للأمم المتحدة وهي: الإنجليزية والصّينية والرّوسية والإسبانية والعربية أو ما يعادل 20 مليارا من الكلمات!
وللعلم فإن عملية التّرجمة مثلما خطّط لها القائمون على بوابة “غوغل ترجمة” تبدأ من الإنجليزية باعتبارها اللغة المصدر، إلى اللغات الأربع المذكورة أو اللغات الهدف، والطّريف أن أول ترجمة تمت “كرونولوجيا” كانت من الإنجليزية إلى العربية، قبل الانتقال إلى اللغات الأخرى.
ويعود هذا الاختيار حسب تحليل مسؤولي البوابة لكون اللغة العربية تعدّ من أوسع وأغزر اللغات من ناحية الثروة اللغوية والليونة الكبيرة من حيث تصريف الكلمات..
وفي الحقيقة أنه من السّذاجة اعتبار “غوغل ترجمة” متكاملا ووفيا من حيث أمانة نقل المعنى من لغة إلى أخرى، إذ أن الذي لا يملك الحدّ الأدنى من معرفة اللغة المصدر إلى اللغة الهدف مثلا من الإنجليزية إلى العربية والعكس، فإنه لا محالة سوف يقع في مطبّات خطيرة قد تكون لها تداعيات سلبية جدا، و لا بأس من تقديم بعض الأمثلة لتوضيح ما نقصده في هذا الصّدد.
عندما نحاول ترجمة عن الإنجليزية إلى اللاتينية عبارة “امرأة عجوز: “Old woman” فإن النتيجة تكون صاعقة “anus” التي تعني.. فتحة الشّرج!
وهناك من يُريد ترجمة عبارة “بطاطا مقليّة”، فيصطدم من خلال الترجمة الآلية بوجود جنسيتين مختلفتين في التعريف بنفس الأكلة، وهي “french fries” و”frite belge” وهنا نلاحظ بوضوح أن الأمريكيين ينسبونها للفرنسيين، والفرنسيون ينسبونها للبلجيكيين أو أن هؤلاء الأخيرين ينسبونها لأنفسهم، ربما لكونهم الأكثر استهلاكا لهذه الأكلة في العالم!
وترجمة العبارة الفرنسية: “C’est une jolie fille” إذا نقلناها إلى الإيطالية ستكون النتيجة هكذا “Questa è una ragazza abbastanza” وهي تعني في سياقها الدلالي “هذه فتاة متوسطة الجمال” في حين أن المعنى المقصود غير ذلك تمامًا.
وهذا في الحقيقة يفسّر بكون الترجمة الإيطالية تمر أولا عبر الترجمة الإنجليزية (the is a pretty girl) ولأن كلمة (Pretty) في الإنجليزية من بين معانيها العديدة “متوسط” فإن النتيجة في اللغة الإيطالية جاءت على النّقيض كما لاحظنا..
وللتذكير أن الأسيويين غالبًا ما يستعملون الترجمة الآلية في التعريف وتسويق منتجاتهم التجارية، الأمر الذي يوقعهم في كوارث حقيقية وفضائح مضحكة جدًا، وخاصّة منهم الصينيين واليابانيين.. مع الإشارة إلى أن التّرجمة الأدبية أو الرسمية لا تمثل سوى 10 إلى 15 في المائة من مجموع ما يترجم سنويًا في العالم..
ومع ذلك فإن هذا لا يمنع من القول أن هناك ترجمات أدبية غير عادية على الإطلاق، على غرار ما قامت به الناشرة الفرنسية دافينا سامارسيلي، التي نشرت عام 2016 ترجمة لمسرحية وليام شكسبير “هاملت” بواسطة “غوغل ترجمة” وجاء العمل المترجم في غاية الطّرافة..
فلقد أنجزت كتابا جيّد الإخراج والطّبع لكنه ترجمة “هيروغليفية” غريبة ومشوهة لعمل الشاعر الإنجليزي الشهير، حيث حمل الكتاب عنوانا سرياليا “Jambonlaissé” كما تضمن جملا مفككة المعنى وبهلوانيات لغوية تذكرنا بخزعبلات الدادائيين.
وقد كان القصد من هذه الترجمة الفريدة من نوعها، حسب الناشرة (وهي للتّذكير من عائلة اشتهرت بهذه المهنة أبا عن جد) التعريف بجهد المترجمين المتعب والشّاق دون الاستخفاف والتقليل من فائدة الترجمة الآلية، التي تظل رغم أهميتها محدودة وبعيدة جدًا عن اللمسة الإنسانية السحرية والضرورية، التي تقبض على المعنى بذكاء لمّاح وحسّ جمالي مبدع.. فتأمل.
المصدر:https://www.nafhamag.com/2017/10/09/%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%84%D9%8A%D8%A9/