طيف
كتب- عبدالحميد عبدالبصير
بينما أسير وحيداً منهوكاً في ليلة ماطره هبت الريح وثارت في وجهي عاصفة ثلجيه والرياح تعوي وتعول من حولي ، أتلمس شيئا ً من الزاد يُسكن صوت أحشائي الصاخبة ..أرتجف كالورقة في مهب الصبا والشمائل ، نكست رأسي كزهرة ذابلة آدها الطل والندى ،أسجن نفسي بين أجنحة مهترئة خارت حصونها وتهشمت قلاعها ..والرياح لاتذرني لاتفتأ تلحفني بسياطها الباردة ،انطمست معالم السماء والأرض وسدت في وجهي المذاهب..وأيقنت الهلاك المحدق ،فهويت إلى شجرة قريبة مني قد إكتست قشورها برقاقه من الجليد فتعلقت بها وأنشبت مقارضي حتى هويت إلى الأرض فتمطيت وتكورت ثم غبت في عوالم مجهولة واستحال جسدي كتلة ثلجية وغابت عني الحياة إلا من بقعة بسيطة في عيني ،كانت ترصد ماحولي وتلحظ إلى ندف الجليد وهي تتسامى وتتهادى ،كان مشعلي الأخيرينضب والصورة تملس إيذانا بمغادرتي الحياة ،والروح في رمقها الأخير تحمل حقائبها ،وصفير القطار يدوي في مخيلتي ..أبصرت طيفاً رقيقاً كائناً فضياً كان يتفرس في وجهي يختال من حولي بأجنحته الفضية وقوامه الممشوق، أزال الرقاقة الجليدية التي كانت تكسو قبتي، ثم شرعت تطرح الثلج المتكاوم حولي بذيلها الملتمع كأن لأليء النفائس مرصعة على ذوائبه ..كنت أرى حياة تند من أناملها وبريق يومض من أظافرها ..ثم رأيتني وهي تحملني بين ذراعيها ..شعرت بسكون أبدي بين يديها وتراتيل عذبه ترنو إلى مسامعي وحشد كبير من كائنات الفضة لايتوقفون عن العزف والغناء في تناغم ومثالية ..فاقت الصورة قدرتي على التخيل فشعرت بنعاس شديد من سكرة الحدث،ثم ألفيتني مسجياً على مائدة في كوخ مهجور قد التمع فراشها حينما زملتني بها كانت عيناها متوهجة كمصباح تزداد طاقته الحارقه كلما نظرت إليه ثم استحالت عينيها زرقاء بعدما خبأ ضوئها وشرعت تردد كلمات بصوت عذب كالذي ينشد في الأوبرا ثم أسبلت عينها وابلاً مدراراً ،ودموعها الفضية ولثماتها الحارة تسح على وجهي كشؤبوب فاض من الغيث فتسري في جسدي تمنحني الدفء وتعيد لي الحياة شيئا فشيء..ثم دبت الحياة في جسدي وقمت فزعاً بعدما تحلب العرق من أعطافي كان الطيف قد أملس بعيداً وصوتها مازال يعانق أنفاسي.