قصة قصيرة / رميم الحياة
في كل صباح ..
يزور قبْرَيْ والديه اللذين تحضنهما المقبرة القديمة ، ثم يتجه نحو بائعي الدقيق، يدفع عربة صغيرة تشبه حالته ، لتحمل بضائع إلى أماكن متفرقة.
يقضي يومه مرابطا ، يرقب باهتمام بالغ أوامر أصحاب الأرقام الصعبة والفواصل المعقدة.
بعد تعب قاصم ، يتناول وجبته المكررة كقصص قديمة ..قطعة خبز وكيس حليب ، و ماء من حنفية هي مورد الجميع حتى العصافير المغردة والكلاب الضالة .
– قم يا رجل ، ما هذا الكسل الذي يلازمك ؟..، أنت لا تصلح إلا للنوم ، انهض ، لتنقل صناديق البطاطا إلى مسكني في حي المنظر الجميل..
قام بسرعة جنونية حتى أنه لم يشعر باصطدامــه بعربته التي كان نائما تحتها..
– حاضر ، أين بضاعتك ..؟ ..!أين بضاعتك..؟ !
رتب الصناديق بعناية فائقة حتى لا تسقط منها ولو حبة واحدة ، فالشخصية مهمة جدا ، ربما تدفع الكثير مقابل المسافة البعيدة والحمولة التي لا يقوى عليها بعير .. !
اختار الطريق الأقصر، وأخرج كل ما لديه من قوّة .
نظر إليه “رفاقه” نظرة حسد ، فصاحب البضاعة “مرفه” .. !
– ما أصعب صعود القمم .. ! ، للقمة شروطها..!!
– كيف لجسم رميم أن يدفع عربة لا يقدر عليها (جحش المداني) ولا (بغلة المختار)، أسئلة تطرح نفسها على عقله المشبع بالنقائض.
تدور العجلة ، لتسكب عرقا ، تتبعها أعين منتشرة على جانبي الشارع الطويل.
الحياة موسومة بذات الوسم ، تذكّره برفاقه الحمّالين الذين تركهم خلفه .
– ترى هل جاءهم نصيب، أتمنى لهم ذلك ، أعلم أنهم يحسدونني على ” صيدي ” هذا..؟ !
يأخذ قسطا من الراحة، يشرب من قربة كانت معلقة على شجرة شهدت ميلاد المدينة..يتأمل أحوال الناس ، كيف لهذا المكان الواحد أن يحتضن جُملا من المتناقضات في كل شيء..
الموت والحياة في اللحظة الواحدة ،..
جاره عائد بسيارته مع زوجته و مولودهما الجديد من عيادة الولادة ، فرحين.
أحد الشخصيات المهمة ينقل على جناح السرعة من أجل إنقاذه من الموت لتعرضه إلى حادث مرور خطير عند نقطة تقاطع شارعين كبيرين .
بعد أن استراح قليلا ، انطلق من جديد إلى حي المنظر الجميل ، لم يجده جميلا كما كان يتصوره ، فوضى في كل جانب ..
سأل عن صاحب صناديق البطاطا فدلوه على إحدى الشقق الفاخرة ، يقام بها عزاء ، وأخبروه بأنّ ” سي الشريف” قد تعرض لحادث وأنه لا يزال محتفظا به في ثلاجة الجثث ..
أصابته الدهشة ..
– ” سي الشريف” ..مات..؟ !
تذكر الحادث الذي شاهده ..وبقي ملازما دهشته حتي نكزه أحد أقارب الميت .
– أنزل البضاعة ، لم تكن مسرعا ،لقد تأخرت كثيرا، متى يحضر العشاء ، وقد شارفت الشمس على الغروب..؟!
عاد إلى داره ، ولم يأخذ أجرته لغياب طعمها ..وقد جفّ عرقه ..
صلى على جنازة ” سي الشريف” مع أهل الحي ..ودفن ليلا لتعفن الجثة..
*من مجموعتي القصصية “عطر التراب”.
رائع ياصديقي
هذا من حسن خلقك، سغيد بتعليقك..
بالتوفيق
أشكرك،أستاذي الكريم على تتبعك لحروفي..