تسلط رواية “ليل مدينة” للكاتبة الصحافية الجزائرية “فضيلة بودريش” الضوء على أوضاع تردي الأزمة الأمنية في عقد التسعينات، وتصور بشاعة ما اقترف من جرائم الموت، وبطلة القصة فتاة تفقد والدتها الممرضة في حاجز الموت المزيف، ثم يطال الأذى بعد ذلك والدها المجاهد والمتقاعد، من سلك الجيش، تحت تهديد الإرهابيين، وأمام استفحال تردي الوضع الأمني، وتفشي الرعب والقتل في المدينة الجميلة التي هجرها سكانها.
يقرر المجاهد “سي أحمد” قيادة رجال المقاومة لحماية ما تبقى من المدينة والحفاظ على الأرواح البريئة ووقف التفجيرات بالقنابل اليدوية المصنوعة من السكر.
وتأخذ أحداث الرواية منعرجا آخر عندما تفاجئ البطلة باقتحام الإرهابيين لمنزل صديقتها الحميمة المسماة “مدينة”، حيث قتل جميع أفراده.. الوالد والإخوة الصغار والجدين وتخطف مدينة بينما الأم تنجو لأنها تتعرض للحرق فقط.
ومن هنا يبدأ البحث عن الفتاة المخطوفة خاصة بعد أن تتفجر قنبلة يدوية في مقبرة وتقطع أقدام والدها المجاهد وتضطر لاستخلافه في مقاومة الإرهاب، وتعيش على هاجس إنقاذ مدينة والعمل على إنهاء ليل مدينة الصديقة وليل المدينة التي تعيش فيها.
وتتواصل أحداث الرواية إلى غاية إرساء ميثاق السلم والمصالحة.
ملاحظة: للكاتبة 3 روايات ومجموعة قصصية. والرواية الموسومة ب”ليل مدينة” صدرت في بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013.
——————-
مقتطفات من رواية “ليل مدينة”
“..قال لي كل الأمل تجاوز أسطر الألم بممحاة الشوق..موعد رسائله.. موعد القلب السجين وراء أسوار حزن المدينة، بياض الورق وقتامة القلم انصهار لقلبينا بألم المدينة.. فهم لغتي.. أخاف ويكبر خوفي بمسافة البحر بمساحة الماء، بعمق حبي لأمي، لكن وقفتي ثابتة.. لن أتراجع،لا أعرف السير نحو الوراء، وسحب قراري لإنقاذ أمي، واسترجاع “مدينة”…..”
-“..غازل الرعب حضر التجول وحضر النفوس وتفننت أمزجة “المرقة” في المزايدة بعرض المدينة، دفنوا الحب واطفوا الشوق، وبعثروا كل الأحاسيس التي رغبت مدينتي في تبادل حرارة ومتعة احتضانها، مدينتي سجينة عن عشاقها، العشاق هجرونا فاختفت مواكب الأعراس، كل الأضواء احترقت إلا أضواء المقابر، كل المخادع فترت ولم تعد آمنة إلا مخدع المقابر، ولم يبق في دمع أمي غير المقابر وليل المدينة..”
-“..إلى متى سيظل هاجس الموت يحتجز موعد لقاءنا، ولون الدماء فاصلا أخيرا يحرم تقاطع أحلامنا وانصهارها على جبهة أمي؟”
– “.. سأرتدي لوني ولون عينيك، لأشعر بفيض الدفء، وأتسلح لاسترجاع أملي الذي رضعته يوم ميلادي…أبصرت فارتويت من خضرة عينيك…أبصرت فارتديت لون عينيك..حتى شرائط ظفائري كانت بلون عينيك خضراء متيجية، تماما مثل بساتين البرتقال التي استعرت من ثمارها حمرة خدودي، ومن طعم سكرها قوة ابتسامتي الشهية..”
– “.. القتلة استنزفوا السكر من مطبخ أمي، فجروا من حلاوته موتا وصدروا من طعمه الأنثوي ولونه الناصع قنابلا مزقت جسد أمي..”
– “.. من هنا من مدينتي أشتم لأول مرة رائحة الموت.. من لا يشتم رائحة الموت فهو غائب عن مدينتي..غائب عن وعي المدينة، موجود في غرفة الإنعاش، يصارع إرادة الرحيل في عزلة ودون مقاومة..”
المصدر:https://www.sayidaty.net/