تقاطعت عيناه لترسم زوايا حادة، بعدما ترك سريره الترابي وقد رُسمت عليه حركات الليلة الماضية بكل عبثياتها .
يتمنى العارفون أن تخلط خطى العابرين رسوماتها لتصبح طلاسم حتى لا يقرأها المتربصون.
يشفق عليه صاحب المقهى ، يعطيه الماء والصابون والمنشفة ليمحو ذلك التقاطع ، ولتنفرج كل زواياه ؛ فيبتسم وجهه الجميل ، حتى تليق به قهوة بالحليب وقطعة البسكويت المغطاة بالعسل .. !
يتساءل الناس عن سر اهتمامه به رغم أنه يزعج روادها بجلوسه المتواصل عند بابها ، وصمته الطويل الذي يقتل الأسئلة بين الشفاه ، والفضول عند باب التطلع.
عندما تنام العيون ، لا تنام عينه ، كيف يهدأ قلبه وذاك الجميل ينام في العراء ، يفترش التراب ؟!
لماذا يبالي بكلام هؤلاء الناس ؟!
لا يستطيع أن يقرّ لهم بالحقيقة ..فهم تسليهم الفضيحة ، فهي التربة الخصبة التي تصلح لكل فصول الحياة.
كيف يتركه للظلام الموحش ؛ فلا أحد يؤنس وحشته، حتى أمه ماتت في حادث وهي تحمله لتطعمه من طعام المدينة المرمي ، أو ما حملته أيدي الرحماء.
قبل تنفس الصبح ، وقبل أن يستيقظ من نومه أحضر له كل ما يلزمه ، البسكويت – هذه المرة- بلون وطعم مختلفين.
– كم سيكون مسرورا ، ليتني أستطيع إخباره بالحقيقة ..
فتح الباب قبل الوقت المعتاد ..وإذا بـه مرميا في وسط الشارع ، مخضبا بدمه وعلى جسده الناعم أثر نهش الكلاب ، أسرع إليه وضمه إلى صدره وهو يقول: ليتني أخبرتك ، أنت نتيجة خطيئتي ، سامحني ، ولتسامحني أمك ..
لم يفقه كلامه أحد غير إمام مسجد الحي، كان قريبا منه، ..دعا له بالمغفرة..
—–
من مجموعتي القصصية “عطر التراب”، طبع ونشر دار المخبة – مصر