آية في الجمال

قصة قصيرة بقلم احمد سيد عبدالغفار

آية في الجمال
قصة قصيرة

“آية” بنت مصرية عادية جدا لكنها كانت تمتلك صفات ليست موجودة فى معظم البنات. فى البداية دعونى أصفها لكم هى ليست بالجمال الذى يخطف عينيك إليها ولكنك إذا أمعنت النظر فيها فسوف تجد نفسك تنجذب اليها .قصيرة القامة ولكن قصر قامتها يزيدها جمالا. ملابسها محتشمة جدا تجعل كل من يراها يحترمها, وجهها بشوشا يجعلك تتمنى أن تراه كل صباح حتى تشعر بالتفاؤل .بيضاء البشرة و عيناها واسعة.هى الان تبلغ من العمر عشرين عاما.
كنت أراقبها كل صباح عندما تخرج من منزلها فى السابعة صباحا بعدما تستيقظ فى السادسة, لا تندهشوا فأنا أسكن فى البناية المقابلة لها ولحسن حظى أن غرفتى مقابلة لغرفتها وهذا ما جعلنى أعرف الكثير عنها وعن حياتها فأنا كنت اراقبها كثيرا من غرفتى وأعرف جيدا أن هذا لا يجوز ولا يصح ولكنى لا أستطيع منع نفسى من رؤيتها . أراقبها كل صباح, أبتسم عندما أراها تصلى بعدما تستيقظ مباشرة ثم تختفى عنى ساعة إلا ربع لكى تتناول إفطارها وترتدى ملابسها وهذا وقت قليل جدا بالنسبة لأى فتاة ثم تعود وتقف خلف زجاج شرفتها وفى يدها اليمنى كوبا لا اعرف ما بداخلة وفى يدها الأخرى كتابا تقرأ فيه, أعتقد أنها رواية رومانسية لأنى كنت أراها تبتسم من الحين والآخر, يتضاعف احترامى لها لأنى احترم البنت التى تقرأ, لا يهم نوعية ما تقرأه المهم أنها تقرأ.
هى الآن تغلق الكتاب وترتدى حقيبتها بعد ترتيبها وتخرج من غرفتها وعندها أخرج أنا الى الشرفة وأشعل سيجارتى وانتظر دقائق لكى أراها فهى الآن تودع والديها وتقبل يد أبيها ورأس أمها وهذا تخمين فأنا بالطبع لا أراها.
هى الآن خرجت إلى الشارع وعندما تخرج تشعر أن الشارع يرقص فرحا بعدما كان حزينا. تشعر ان الشمس قد أشرقت .
ابتسامتها لا تفارق وجهها وهى تسلم على جيرانها وأصحاب المحلات الذين يفرحون لرؤيتها ويدعون لها من قلوبهم.
كنت اشعر بالبهجة وانا اراها تميل لتقبل الاطفال الذين يهرولون اليها فرحين برؤيتها .
اتمنى لو كنت طفلا حتى أنعم بهذه القبلة الصباحية وهذه الابتسامة المشرقة والوجه المليء بالتفاؤل ..
أظل أراقبها حتى تعبر الشارع وتختفى عن عينى عندها أعود الى اللاب توب الخاص بى واستكمل قهوتى التى أصبحت مثلجة وأفتح صفحتى المزيفة على الفيس بوك وانتظر قليلا حتى تأتينى رسالتها الصباحية تسلم علي .
ولا تندهشوا فقد أنشأت هذه الصفحة خصيصا لكى اتعرف عليها . فمنذ شهر كنت اراقبها وادخل صفحتها اتابع منشوراتها حتى واتتنى الفرصة وعلمت أنها مهتمة بالقراءة وتتصفح دائما الصفحات والمجمعات الخاصة بالكتب وقد جائتنى الفرصة للتحدث معها عندما كتبت على إحدى المجموعات أنها تريد كتابا معينا فقمت بإرساله إليها وتعرفت عليها ووثقت بى عندما علمت أنى مهتم بالقراءة وأقرأ كثيرا ومثقف إلى حد ما وكانت تسألنى كثيرا عن الكتب وكنت أخبرها بما أعرف وكنت أخترع مواضيع للنقاش حتى أستمتع بالحديث معها إلى أن زادت الثقة بيننا وبدأت تتحدث معى فى كل شيء, أصبحنا أصدقاء دون أن نتقابل أو حتى ترانى وكانت تستشيرنى فى أمور حياتها وتطلب نصيحتى وكنت أخبرها بما يتوجب عليها فعله من وجهة نظرى.
سألتها مرة عدة اسئلة وكانت هذة اجابتها:
-ما الشيء الذى يجعلك سعيدة؟
-ما يجعلنى سعيدة هو ان أرى كل الناس سعداء ولا ينقصهم شيء.
-وما الشيء الذى يجعلك حزينة؟
-هو عندما أرى أحد فى مشكلة أو يعانى من شيء ما فأضع نفسى مكانة وأحزن.
-ماذا تتمنى فى المستقبل؟
-أتمنى أن أتفوق فى دراستى لكى أسعد عائلتى وأجعلهم فخورين بى.
-هل أحببتى من قبل؟
-لا اهتم إلا بأرضاء ربى وإرضاء أبى وأمى ثم التفوق فى دراستى.
-هل تتمنىن أن تعيشى قصة حب مع شخص ما مثل كل الفتيات؟
-أتمنى أن أتزوج من شخص يتقى الله في ويعاشرنى بالمعروف ونشترك معا فى إنشاء حياة وعائلة سعيدة.
-هل تجدىن نفسك فتاة مثالية؟
-أرى نفسى فتاة عادية جدا ويوجد مثلى بل وأفضل منى كثييرا.
كانت إجابتها تزيدنى إعجابا بها وبشخصيتها فمن النادر أن تجد فتاة مثلها فى هذا المجتمع.
فى ليلة ما كانت تحدثنى وأخبرتنى أنها مستاءة جدا وحزينة وعندما سألتها عن السبب أخبرتنى أن زميلتها اكتشفت أن حبيبها يخونها مع فتاة أخرى وقالت كيف يخونها وهى تحبه؟
ابتسمت على سذاجتها وطيبتها وأخبرتها أن هذا عادى جدا وكثير جدا ما يحدث مثل ذلك
تضايقت من كلامى وقالت أن من يخون أحدا يحبة لا يستحق الحياة .
مر أسبوعان دون أن نتحدث لأنها كانت مشغولة بدراستها وكنت أكتفى فقط بمراقبتها كل صباح وكنت أراها ليلا لدقائق عندما كانت تخرج إلى شرفتها لتستريح من عناء المذاكرة .
افتقدتها كثيرا وافتقدت متعة الحديث معها فأنا أرى فيها قلبا طيبا بريئا. كنت عندما أراها أشعر بانجذاب إليها وكثيرا كنت أحاول منع عقلى من التفكير فيها ولكن دون فائدة كانت تسيطر على تفكيرى .لا أريد خوض تجربة الحب مرة أخرى فلقد أحببت فى الماضى وصدمت عندما علمت بخبر زواجها وكانت أمى تحاول إقناعى بأن أتزوج من إحدى قريباتى وكنت دائما أرفض دون ذكر سبب مقنع لها وكانت دائما تلمح لى بأن لو هناك من أريدها فلم لا أخبرها وأتقدم لخطبتها وكنت دائما أخبرها أنى أبحث عن الفتاة المناسبة وعندما أجدها سأتقدم لخطبتها فورا ,تركتنى امى وهى غير مقتنعة بكلامى. كل ما يشغل تفكيرى هو (آية) تلك الطفلة التى لا تعرف شيئا عن الدنيا وقاذوراتها. هل من الممكن أن تكون تلك زوجتى؟ هل إن تقدمت لخطبتها ستوافق؟ ام سترفضنى واكون قد صدمت ثانيا؟
طوال الأسبوعين وأنا أفكر فى أن أصارحها ولكن من الممكن أن تظن أنى كنت أخدعها ؟ أأخبرها بحقيقة الأمر أم أتقدم دون إخبارها؟
لم أستطع الوصول إلى حلول ترضينى وبقيت اياما كذلك حتى مر شهر دون ان اتحدث معها حتى فاجأتنى يوما برسالة تسلم علي فيها:
-كيف حالك؟
-أنا بخير الحمدلله
-لماذا لم تطمئن على طوال تلك المدة؟
-لا أريد ازعاجك, اعلم انك مشغولة بدراستك
-أريد ان أتحدث معك قليلا
فرحت كثيرا بداخلى فكلامها يعنى أنى اصبحت مهما لديها…
-تفضلى هذا شيء يسعدنى
-هل تذكر عندما تحدثت معى عن الحب وعن علاقات الشباب بالفتيات؟
-نعم أذكر ذلك جيدا
-أريد أن أخبرك أن هناك من يشغل تفكيرى
…أحسست أن يدى تجمدت وأن عقلى قد توقف, شعرت بأن هناك من طعننى من الخلف, لا أستطيع الكلام ولكنى استجمعت قواي وسألتها:
-ومن هو؟
-هو شاب يسكن فى البناية المقابلة وغرفتة مقابل غرفتى هو شاب يظهر علية الاحترام الشديد كنت أراقبة من شرفتى وهو يمشى فى الشارع فأجدة يمشى مستقيما لا ينظر لأحد يسلم على كل الناس دون تفرقة, أجده دائما يجلس فى غرفتة أمام جهازه ويظهر من طريقة جلوسة أنه يقرأكثيرا مثلك عندما كنت اخرج الى شرفتى وهو فى شرفته كان يدخل فورا ويغلقها ولكن بعدما ينظر لى نظرة لا اعرف معناها لا أخفى عليك اعجبتنى شخصيتة أشعر أنه مكتمل الرجولة وسوف اصارحك بشيء واخجل من اقول ذلك كنت كثيرا ما اراقبة من غرفتى وأطفئ اضاءتها وأراه يخرج كثيرا الى شرفته يدخن, أشعر أنه ينظر إلى غرفتى كثيرا, ابتسم عندما يأتينى شعور انه يفكر في ويريد ان يرانى وهو الآن جالس فى غرفتة ويبدو عليه أنه يقرأ ويكتب شيئا ما أو يتحدث مع صديق.
اتسعت عيناى من الذهول وكدت ان انتفض من مكانى من شدة سعادتى لكنى اعلم انها الآن تراقبنى, بقيت ثابتا دون حركة .
كيف هذا ؟ انها تشعر بى مثلما أشعر بها, انا الان فى حيرة. ماذا افعل؟ هل أصارحها؟ ولكن ماذا لو كانت تعلم أنى أنا من يحادثها وتريد التاكد من ذلك؟ ماذا افعل؟
-اين انت؟
-انا معك
-أخبرنى ماذا افعل؟
-أنا آسف جدا نكمل الحديث غدا لأنى اشعر بالتعب وسوف أنام, مع السلامة.
أنهيت الحديث وأغلقت الصفحة ولم أغادر مكانى لأنى أعلم أنها تراقبنى وظللت جالسا مكانى لمدة ساعتين أفكر فيما حدث. هل يعقل هذا؟ هذا لا يحدث إلا فى الأفلام الهندية ولكن ماذا أفعل الآن؟ بقيت طوال الليل مستيقظا وعقلى مثل الطاحونة يدور دون توقف حتى توصلت إلى حل يريح عقلى.
ولا أستطيع وصف جمالها ورقتها عندما نادى عليها والدها لكى تجلس معنا وتراها والدتى فبعد ثلاثة أيام أخذت والدتى وذهبت إلى بيتها لكى أتقدم لخطبتها ولم تمانع والدتى بل كانت سعيدة باختيارى وأثنت عليها وعلى اخلاقها وعلى حسن النسب .
كانت تجلس مبتسمة فى قمة خجلها الذى زادها اشراقا كانت مثل الملاك, لم تجلس كثيرا من شدة حيائها واتفقت مع والدها على موعد قراءة الفاتحة ومرت الايام سريعة وانا أكتفى فقط بمراقبتها كل صباح وأجلس ليلا وأنا أعلم أنها تراقبنى وفى يوم قراءة الفاتحة جلست العائلتان فى منزلها وكانت ليلة رائعة وكنت أنا وهى نتبادل فقط النظرات والابتسامات وكنت فى غاية السعادة وأشعر أن حياتى قد بدأت منذ اليوم .
غادر الجميع حتى أمى وبقينا أنا وهى فقط:
-ازيك يا آية؟
-أنا بخير الحمدلله
-حدثينى عن نفسك قليلا
-ولم؟ فأنت تعلم عنى كل شيء.
قالت هذه الكلمة وهى تنظر لى بخبث ومبتسمة, اضطربت فى مجلسى واحمر وجهى وحاولت أن أظهر اندهاشى وعدم فهمى.
-أعلم؟؟؟كيف أعلم وأنا أجلس معك لأول مرة؟
-لا تتظاهر بأنك لا تعلم عما أتحدث, فأنا أعلم أنك كنت تتحدث معى من خلال صفحة مزيفة.
-وكيف علمتى ذلك؟
-هناك دائما أخطاء يتركها المخادعون تؤدى دائما إلى كشفهم…هذه مقولتك, ألا تتذكرها؟
نظرت اليها وانا ابتسم واسخر من نفسى, لم أتوقع أنها بهذا الذكاء….
-ولم لم تخبرينى من البداية؟
-لن أكذب عليك, لقد أحببت اللعبة وانتهزتها فرصة لكى اكتسب منك الخبرة.
-وهل ستظلىن تراقبينى؟
-نعم ولكن سأترك الغرفة مضاءة.

تــمــت

Exit mobile version