وضع كأس الشاي جانبا ،وراح يتأمل زوجته المنهمكة في ترتيب المنزل… إنها تخطو أولى خطواتها في العقد الخامس لكنها لم تفقد بعد شيئا من جمالها.
هو أيضا لم يعد شابا، لقد بلغ الخمسين ووخط الشيب رأسه…
” لكن الخمسين بالنسبة للرجل شيء آخر.” هكذا قال له صديقه عنتر .
” الحياة الحقيقية تبدأ بعد الخمسين. لقد كبر الأبناء و تزوجوا، وآن لنا ان نتمتع بالحياة…” تذكر كلمات عنتر هاته وهو ينظر إلى زوجته الغافلة عنه بترتيب الأثاث وتنظيفه.. “هل يمكن أن أفعلها بعد كل هذه السنين؟” هكذا واجه صديقه عنتر مستنكرا. لكن هذا الأخير رد ضاحكا “لقد خلق الله عالما من النساء فهل يكون حظنا منهن كحظ آدم؟”.
“هل تريد مزيدا من الشاي؟” سألته زوجته وهي ترى الكأس الموضوع على الطاولة. كيف يخون هذا الملاك الذي أخلص له وسهر على راحته طوال أعوام حياتهما المشتركة ولا يزال؟
“إنها مجرد ليلة”_ قال صديقه عنتر _ ” ليلة تستعيد فيها شبابك .. أنا أيضا أحب زوجتي كما تعلم. لكن العسل نفسه يصبح بلا مذاق إن جعلناه كل طعامنا”.
عاد ينظر إلى زوجته ..إنها تذهب اليوم ككل جمعة لزيارة ابنتهما والمبيت عندها..ليصبح البيت جاهزا لإحدى ليالي الألف ليلة..
انتبه على صوت أقدام زوجته التي غادرت إلى الحمام.كل شيء يسير كما العادة. ستأخذ حماما، وتصفف شعرها، ثم يوصلها بسيارته إلى بيت ابنتهما، ليذهب بعد ذلك إلى أصدقائه في المقهى. لكنه هذه المرة لن يتجه إلى المقهى، بل سيفعل كما أشار عليه عنتر. ” إنهن لسن كما تظن، هن بنات ناس محترمات” هكذا قال عنتر ضاحكا.
أسند رأسه إلى الأريكة وأغلق عينيه .ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يردد في نفسه: “بنات ناس محترمات..؟ يا بن الكلب! ”
وبالفعل سار كل شيء كما خطط له..أوصل زوجته إلى بيت ابنتهما ..وقضى بعض الوقت في مداعبة حفيده الصغير..ثم ذهب ليكمل خطته..مكالمة هاتفية لإحدى أرقام صديقه عنتر لم تستغرق سوى بضع دقائق كانت كافية للتعرف والتفاوض والاتفاق..فأصدقاء عنتر فوق مستوى الشبهات..وما هي إلا ساعة حتى كانت إحداهن تركب السيارة بجواره في الطريق نحو المنزل.
كانت جميلة وأنيقة وتبدو بالفعل ” بنت ناس محترمة” . لم يكن مرتاحا لما يفعله ، لكنها مجرد ليلة كما قال عنتر”.
– “أين الحمّام”؟ سألته بغتة.
– ” إنه هناك ..” أشار بيده وهو يبحلق في الفتاة..
سألته وهي تتجه إلى الحمّام :”هل تشرب؟”
– “ليس كثيرا.فقط في بعض المناسبات..”
– ” إذن أحضر لنا شرابا حتى أخرج من الحمّام..”
ياله من غبي ! كيف نسي هذا..؟؟
أسرع إلى سيارته بعدما أغلق باب المنزل بالمفتاح.فهو لا يثق ببنات الليل هؤلاء..واتجه نحو متجر لبيع الكحول.
” لقد كنت محقا يا عنتر يا بن الكلب..إني أحس بنفسي أكثر شبابا من المراهقين ”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يتخيل ما سيحدث…ثم ظهر ذلك الكلب من العدم…ضغط المكابح بقوة وأدار المقود بسرعة محاولا تجنب الإصدام…لكنه وجد نفسه يصطدم بشاحنة متوقفة على جانب الطريق ..أحس بصدمة عنيفة غاب بعدها في ظلام دامس…
عندما استعاد الوعي،وجد نفسه في المستشفى.كانت الضمادات تحيط رأسه.وكان يشعر بالألم في كل أنحاء جسده.
بقلم صديق الصفحة “منير العافية”
– ” ماذا حدث؟ ومن أتى بي إلى هنا..؟” سأل الممرضة .
-“لقد تم نقلك إلى هنا بعدما اصطدمت بشاحنة.”
تذكر ما حدث في لحظات..ثم تنبه إلى الفتاة التي تركها بالمنزل…ماذا تراها فعلت ..؟ستكشف زوجته خيانته..ياللمصيبة !
– كم الساعة الآن؟” سأل الممرضة ملتاعا..
– إنها الثانية صباحا ..”
يجب إخراج الفتاة من البيت قبل أن تفضحه؟ أو تعود زوجته صباحا فتجدها هناك.. لكنه لا يستطيع الحراك..ماذا يفعل..؟
تذكر فجأة صديقه عنتر فأعطى الممرضة رقم هاتفه راجيا منها أن تتصل به..إنه المسؤول عن ورطته هاته وعليه أن يخلصه منها..
” هاتفه يرن ، لكن لا أحد يجيب..” أخبرته الممرضة بعد لحظات..
لعنة الله عليك ياعنتر يا بن الكلب…! ماذا يفعل الآن..؟ سيفتضح أمره..لابد من حل…لا بد من حل ..أين أنت يا بن الكلب؟..يا بن الكلب..يا بن الكلب.. فقد سيطرته على أعصابه ..وصار يصرخ بهذه العبارة في اهتياج وسط ذهول الممرضة ومحاولتها معرفة سبب صراخه..
– ماذا حدث يا حبيبي..؟ لماذا تصرخ..؟
– حبيبي..؟ أنت أيضا منهن يا بنت الكلب..؟ ابتعدي عني..ابتعدي عني..
حدقت الممرضة اليه في ذهول..ثم تغيرت ملامحها فجأة لتحل محلها تقاسيم زوجته.. ياإلهي..لقد اكتشفت كل شيء..
– ” من أخبرك أني هنا..؟” سأل زوجته..
– ” ما ذا حدث لك..؟ إنك في البيت يا حبيبي..” أجابته زوجته وهي تنظر إليه في دهشة..
أدار عينيه في المكان بسرعة..فاستقرت عيناه على كأس الشاي الموضوع على الطاولة..وتلمس الأريكة الدافئة التي لا تشبه فراش المستشفى بأي حال من الأحوال..وحدق في زوجته التي تمسك بيده مستغربة..أيعقل أن يكون كل هذا حلما…؟
– “لا تكثرتي حبيبتي..يبدو أنني غفوت قليلا..”
ثم قبل أن تسأل ثانية بادرها قائلا ” هل أنت جاهزة..؟”
– “نعم..هيا لتوصلني إلى بيت ابنتنا ..ثم اذهب بعدها إلى أصدقائك..”
-“كلا… !” صاح في رعب…ثم أضاف بسرعة ” أقصد أنني سأبيت معك في بيت ابنتنا ..فقد اشتقت لحفيدي الصغير..