خلف الكاميرا

قصة قصيرة/ احمد سيد عبدالغفار

خلف الكاميرا

الساعة الأن السادسة مساءً وهذا هو ميعاد إنتهاء عملي.
قُمت بتغيير ملابسي وأنا في قمة سعادتي لأن اليوم هو الخميس وغدا هو يوم راحتي وسأنام وقتاً طويلاً, واليوم ليس عندي طلبات تصوير حفلات…نعم انا اقوم بتصوير الحفلات في قاعات المناسبات لكى اُحسّن مصدر دخلي, عملاً اضافياً اقوم به ليلا ثلاث او اربع ساعات وينتهي الأمر ولكن الليلة لست مطلوباً, اذن سوف اذهب لبيتي واسترخي استمع للصوت الذى اعشقه “تشارلز ازنافور” وانا اقرأ احدى روايات “يوسف السباعي” او ربما اكمل قراءة “حكايات من منزل الأموات” للرائع “ديستويفيسكي”.
ذهبت الي منزلي وقمت بتحضير طعامي وأنا اتمتم بمقطوعات من اغنيات مختلفة وجلست اتناول طعامي وانا مستمتع ولكن دائما لا تكتمل فرحتي بشيء فقد اتصل بي صديقي يطلب مني ان اذهب مكانه لكى اقوم بتصوير حفل في احدى القاعات لأن والدته مريضة
اختبار صعب لأنني كنت اتمنى قضاء تلك الليلة وحيدا مسترخيا ولكن لا استطيع الرفض لأنه في مأزق ولا يصح ان اتخلى عنه
بالطبع وافقت وانا العن حظي قمت بتغيير ملابسي وذهبت اليه اخذت الكاميرا منه وذهبت الى القاعة……
داخل احدى قاعات الأفراح الشهيرة التى تقع وسط المدينة الكبيرة كنت اقف حاملا كاميرتى التى سأصور بها حفل زفاف الليلة
ومما رأيته يبدو ان العريس من عائلة كبيرة كلهم يبدوا عليهم الثراء, كنت اتفحصهم منتظرا وصول العروسين, لاحظت ان القاعة منقسمة لجزئين جزء يجلس فيه رجالا ونساء يرتدون ملابس غاية في الفخامة وفساتين مثل نجمات السينما والجزء الأخر اناس يبدوا عليهم انهم من الطبقة الوسطى يبدوا ان والد العروسة موظف حكومي فقد كانت النساء والفتيات محجبات, ولاحظت ان بعض الحاضرين من الاثرياء يشمئزون من وجودهم وانا بالطبع خارج تلك الدائرة فلولا انني احمل الكاميرا لكان دخولي مستحيلاً.
وبعد وقت ليس بالكثير اشار الي رجل فذهبت اليه امرني بالاستعداد واخبرني ان العريس سوف يدخل الان قمت بتشغيل
الكاميرا لأكون امامه عندما يدخل ولم تمر ثوانى ورأيتهم يدخلون القاعة وجهت اليهم عدسة الكاميرا وركزت عيني على شاشة الكاميرا كانوا في قمة الجمال وجوههم تشع نورا وفرحة يبتسمون لبعضهم ويتبادلون نظرات تحمل عشقا اني ارى لوحة فنيه يعجز امهر الرسامين عن رسمها كانت العروس جميلة جدا انها تشبه حبيبتي كثيرا اقصد من كانت حبيبتي شعرت برعشة تسري في جسدي عندما خيل الي انها هي ..بالطبع لا ..لا يمكن ان يحدث هذا
قمت بتكبير وجهها في شاشة الكاميرا و يا ليتني ما فعلت ليتني لم اخرج من منزلي.. ليتني رفضت ذلك الحفل ..ليتني مت قبل ان اصل هنا ..انها هي حبيبتي وزميلتي قمت بتركيز وجهي في شاشة الكاميرا حتى لا تراني حتى لا تتذكرني ليس هذا اليوم المناسب لأسترجاع الذكريات لا اريدها ان تحزن فتلك ليلة زفافها ويبدوا عليها السعادة ولا يمكن ان اكون انا سبب حزنها…
كنت اصور وأنا اكتم دموعي فقد كنت لا اراهم في شاشة الكاميرا بل كنت ارى نفسي وانا جالس معها في حديقة الجامعة نتحدث دون تلامس وكان حجابها يزيدها جمالا لكنها الان بدونه
اراني اتحدث معها وانا مبتسم كطفل صغير نتحدث عن حياتنا ونرسم مستقبلنا معا ونختار الوان جدران منزلنا الصغير وأسماء ابنائنا …ارى الأن شاشة الكاميرا قد انقسمت نصفين ورأيت نفسي اجلس في غرفتي امام شاشة جهازي وفى الجانب الاخر أراها تجلس في غرفة نومها علي سريرها ممسكة هاتفها وتبتسم من الحين والاخر …نعم اتذكر تلك الليالي التي كنا نقضيها معا كانت لا تكف عن الأسئلة عن الكتب وعن استفادتي منها كنت اجيبها وانا اعلم انها لا تهتم فهي لا تحب القراءة …
انهم الأن سيرقصون معاً …ارحمني يا الله والهمني صبراً يكفيني تلك الليلة.
كيف سأتحمل رؤية حبيبتي تُعانق غيري ويمسك بخصرها غيري ؟ من المفترض ان اكون مكانه اضمها الي وارقص معها على اغنيتنا المفضلة …
من المفترض ان اكون انا من يغازلها الأن ..
او من المفترض ان اصرخ الأن والقى الكاميرا واهرول الى منزلي ابكي في ظلام غرفتي حتى تحتقن عيني بالدماء..
انني حتى لا استطيع فعل ذلك يبدوا انني جئت الى تلك الحياه دون اختيارات لم يكن لي قط الحق في اختيار شيئا فلقد عشت طوال حياتي مجبرا, حتى البكاء لا اقوى عليه إلا في غرفتي ولكني بكيت
نعم بكيت لم استطع تحمل المنظر, لم استطع رؤية احلامي يحققها غيري, لم اتحمل ان ارى حبيبتي تذهب لغيري ..
سقطت دموعي مستغلة ضعفي وعدم ارادتي على حبسها والاضاءة الخافتة للقاعة,
ابتسمت لأنني فعلت شيء اردت ان افعله
اخيرا قد تحقق حلمي واستطعت البكاء فرحت من داخلي فبكيت اكثر ومع تعالي ضحكاتهم يزيد بكائي …
لم علي ان اتحمل كل هذا العناء؟ …لم علي ان اتحمل مالا اطيق؟
لما علي ان اقوم بتصوير حاضر كنت اتمني ان يكون مستقبلي
لما علي ان اكون سجين خلف شاشة كاميرا اشاهد احلامي وامنياتي يحققها غيري ..
الان اقتنعت بصدق حديثها لي في اخر لقاء بيننا منذ عدة اعوام
عندما قالت لي بنبرة صوت لم اعهدها لها من قبل
(انك ضعيف ولن تستطيع فعل شيء مما تتمناه لأنك جبان وليس عندك الشجاعة لأتخاذ قرار في حياتك وتخشى دائما العواقب انك لا تستطيع ان تمشى وسط الطريق ولا تستطيع المجازفة في اي شيء وأنا لا استطيع العيش معك وانت هكذا فيجب علينا ان نفترق وليجد كل منا طريقة وحتى تكون حرا ولا تشعر اني عبئاً عليك)
نعم كانت محقة , ومازالت محقة, فأنا لم اتغير ما زلت اخشى المجازفة, ما زلت لا استطيع اتخاذ قرارا في حياتي, ما زلت جباناً واخشى المشي وسط الطريق, ما زلت امشي بجانب الحائط.
كانت محقة واتخذت قرارها في الابتعاد عني وكان قرارا صائبا ,هي الان عروس لشاب وسيما وانيقا وثريا ويبدوا علية انه ليس ضعيفا مثلي, انه حلم لأي فتاة, انه يستحقها لأنه افضل مني…
انقذني من معاناتي صديقي عندما جاء واخذ مني الكاميرا ليكمل هو التصوير وقبل ان اغادر القاعة وقفت ونظرت اليهم لثواني ثم خرجت الي الشارع اغمضت عيني ونظرت الي السماء اتنفس الصعداء وحمدت الله على عدم رؤيتها لي لأنى لا اريدها ان تتذكرني خصوصا تلك الليلة .
تلك الليلة التي كنت احلم بها ولكن حلمي الان يحققه غيرى يحققه من يستحقه انا لم اكن شجاعا واتمسك بها لم استطع اتخاذ قرارا بالاحتفاظ بها لم احارب من اجلها وعلي الان نسيانها…
ذهبت الي منزلي وجلست في غرفتي وصورتهما لا تفارق عيني و احداث الليلة تتكرر امامي لم استطع حبس دموعي و للمرة الثانية بكيت ولكن بصوت عالي ..بكيت حسرة علي نفسي وتمنيت ان يعود بي الزمن للوراء حتى اقتل ذلك الضعيف الذى يسكن بداخلي
الذي تسبب لي بكثير من الالم والمعاناة ..حتي اتمسك بأحلامي واحارب من اجلها ولكنها امنيات لن تتحقق مثل غيرها …اتمني ان اكون امام الكاميرا ولست مختبئا خلفها..

…………………تــــــــمـــــــــــت………………

Exit mobile version